بعد ست سنوات من حظر الحركة الاسلامية في الداخل الفلسطيني، ما زال خطاب الثوابت ملازما لقضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، وحين اندلعت هبة الكرامة في أيار الماضي، أكدت على تمسك أهالي الداخل بالمسجد الاقصى والقدس ورفضهم التفريط في هويتهم وثوابتهم، على الرغم من المحاولات المتكررة لتحويل اهتماماتهم إلى الجوانب الاقتصادية والمطلبية اليومية.

د. مهند مصطفى محاجنة، مدير مركز مدى الكرمل للأبحاث التطبيقية، تحدث إلى صحيفة “المدينة” عن الثوابت التي ما زال يتمسك بها أبناء الداخل الفلسطيني الداخل، والفرق بين خطاب الأقليات ومجموعات الوطن.



المدينة: ما هي برأيك الثوابت التي يتمسك بها أهالي الداخل الفلسطيني اليوم؟!

محاجنة: أثبتت أحداث هبة الكرامة في أيار، أنّ قضية القدس والمسجد الاقصى تحولت إلى واحدة من الثوابت لدى المجتمع الفلسطيني في الداخل، ولا يمكن إنكار الدور الكبير الذي لعبته الحركة الاسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح في تثبيت هذا الثابت في القضية الفلسطينية، سياسيا، إعلاميا، على مستوى الوعي وعلى مستوى السلوك. حيث تحولت القدس إلى مكان يوصل ما قطعته النكبة على مستوى الوعي أولا، وعلى مستوى الممارسة السياسية، ثانيا.



المدينة: أين تقع القدس والاقصى في خطابنا السياسي؟

محاجنة: بطبيعة الحال ساهمت مركزية المسجد الاقصى السياسية والدينية في تعزيز هذا الوصل بين أبناء الشعب الفلسطيني. صحيح أنّ الحركة الإسلامية حُظرت، ولكن استطاعت أن تحفظ في وعي الناس هذا الثابت ليس على مستوى الشعب الفلسطيني فحسب، بل والأمة العربية والإسلامية. جاءت الحركة الاسلامية ورممت هذا الثابت، بعد أن كان هناك اهتراء في هذا الثابت في الخطاب والممارسة الفلسطينية الرسمية، أو لدى بعض القيادات الفلسطينية. بسبب الدور الذي لعبته الحركة الإسلامية في الحفاظ على هذا الثابت الديني والوطني والقومي تم حظرها، الحركة الاسلامية حظرت بالأساس بسبب الدور الذي لعبته في تعزيز أهمية القدس والمسجد الاقصى ضمن الثوابت الفلسطينية، وتم حظرها بسبب ذلك، ولكن لم تستطع المؤسسة الاسرائيلية حظر هذا الثابت في وعي وقلوب الناس.

د. مهند مصطفى
د. مهند مصطفى


المدينة: هل ترى أنّ للحظر علاقة بدخول قائمة عربية ذات توجه إسلامي إلى الحكومة الاسرائيلية؟

محاجنة: تشهد الساحة الإسلامية في الداخل نزاعا حول توجهات مختلفة، ولا شك أنّ ذلك يؤكد أنّ الحركات الاسلامية ليست واحدة، المهم في الموضوع أنّ القائمة العربية الموحدة تقارب الحالة الفلسطينية في الداخل من منظور إسلامي يعتبر العرب هنا مهاجرين وهي مقاربة خاطئة، وهذه المقاربة سواء بوعي أو بدون وعي ترافقها منذ ثلاثة عقود حتى قبل تشكيل القائمة الموحدة، فسلوكها وخطابها ينطوي على هذه المقاربة، أي التعامل مع العرب كأقلية مهاجرين، تنحصر مطالبهم في مطالب ثقافية ضيقة، ومطلب المساواة الاقتصادية. في المقابل قاربت الحركة الاسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح المجموعة الفلسطينية في الداخل كأقلية وطن، وهذا ينطوي عليه إسلاميا خطاب ومطالب وأهداف مختلفة، تتمثل نظريا في الاستقلالية الثقافية وبناء مؤسسات جمعية مثل مطلب أي مجموعة وطن، والتفرقة هنا بين مصطلح أقلية ومجموعة وطن ليس تعسفيا، بل مقصودا، القائمة الموحدة تعتبر العرب أقلية والحركة المحظورة تعتبرهم مجموعة وطن، وهذا الفرق بين أقلية مهاجرة حدودها هي حدود المواطنة ثقافيا وسياسيا، بينما مجموعة الوطن حدودها الثقافية تتعدى حدود المواطنة وخطابها السياسي يتعدى حدود مجموعتها. في اعتقادي هذا الفرق الجوهري بين المدرستين، وما بقي من خلافيات هو نتاج هذا الفرق الجوهري، سواء على مستوى الخطاب الديني أو الثقافي أو الاجتماعي وطبعا والأهم السياسي. الموحدة تتصرف كحزب إسرائيلي لأقلية مهاجرة، بالضبط هكذا، تمثل أقلية مهاجرة همّها الأساسي هو تحسين أوضاعها الاقتصادية مع الحفاظ على طابعها الثقافي فقط، وهذا جلّ ما تطالبه أقليات مهاجرة، ولكن مطالب مجموعات الوطن هي مطالب مختلفة تماما.



حول التغييرات التي طرأت على الساحة السياسية والرؤية المستقبلية للنشاط السياسي في الداخل الفلسطيني، تحدثت “المدينة” إلى د. ابراهيم خطيب، المختص في الدراسات السياسية وحلول النزاع والباحث في معهد الدوحة للدراسات العليا.



المدينة: هل تغير سلم أولويات فلسطينيي الداخل وانتماءاتهم بين 2015-2021؟ وكيف؟

خطيب: لا شك أنّ الحالة السياسية التي رافقت عام 2015 كانت متوترة خاصة في موضوع القدس والمسجد الاقصى، وهي أحد الأسباب المركزية، إن لم تكن السبب المركزي لحظر الحركة الاسلامية في حينه. ففي تلك الفترة كانت قضية القدس والمسجد الاقصى في طليعة العمل السياسي للفلسطينيين في الداخل وللحركة الاسلامية التي تم حظرها. اليوم ما زالت قضية القدس والاقصى قضية مركزية في الوعي الجمعي، وأعتقد أنّ جزءا مهمًا من صقل الوعي الجمعي للفلسطينيين حول المسجد الأقصى نابع من الدور الذي لعبته الحركة الاسلامية في حينه لتذويت قضية القدس والاقصى لتصبح قضية جمعية للفلسطينيين ومحركًا مركزيًا، وقضية يتم العمل عليها بشكل منهجي وليست فقط قضية مرتبطة ببعد عاطفي. ويبدو أنّ حصاد هذا العمل يتم الآن فيما حدث في المسجد الاقصى عام 2021. لكن لا يمكن إغفال محاولة تبديل أولويات الفلسطينيين لتكون أولوياتهم في الشأن الاقتصادي والمعيشي وحياتهم اليومية والنجاحات الفردية، وبالتالي هذا التحول بدأ يطرأ على الصعيد الساسي في الداخل الفلسطيني. ففي 2015 كانت الأحزاب السياسية تتمركز حول القضايا الوطنية والدينية للشعب الفلسطيني، الآن هناك تمركز في القضايا الخدماتية والحياة اليومية بدلًا من اتجاه الحفاظ على الهوية والقضايا المركزية للفلسطينيين في الداخل. مع ذلك ما زال هناك وعي جمعي مرتبط بالقضايا الجمعية، وأخشى ما أخشاه أن يكون هناك تحول باتجاه تذويت أنّ العمل المرتبط بالشأن الاقتصادي هو المهم، وعزله عن العمل الوطني، ناهيك عن أنّ العمل السياسي بات يتمركز في العمل السياسي المرتبط بالكنيست بعيدًا عن العمل الشعبي وهذا خطر إضافي نراه ويمكن أن يتطور في السنوات القادمة.

د. ابراهيم خطيب
د. ابراهيم خطيب


المدينة: هل الحركات السياسية الموجودة اليوم كافية لتمثيل الاسلاميين في الداخل الفلسطيني؟

خطيب: اعتقد أنّ الحركات والأحزاب السياسية في الداخل الفلسطيني ما زالت دون المستوى المقبول، خاصة في تمثيل التيار الإسلامي، من حيث العمل السياسي الشبابي. هناك عمل سياسي لكنه ضعيف وغير ظاهر بشكل عملي ومنهجي، وأعتقد أنّ هذا الأمر يصنع قاعدة شعبية للفكر الاسلامي يجب أن تترجم بشكل يأخذ بعين الاعتبار الجانب القانوني المرتبط بحظر الحركة الاسلامية وأيضًا المرتبط بالحاجة إلى تفعيل العمل السياسي للفلسطينيين في الداخل المرتبط بالتوجه الاسلامي وأصحاب هذا الفكر، بشكل يأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب القانونية والسياسية والاجتماعية وحاجة الفلسطيني في الداخل لهذا التيار، فهو تيار مركزي يجب أن يكون له دوره. علمًا أنّ التيار الاسلامي الذي تعبّر عنه الحركة الاسلامية الجنوبية، لا أعتقد أنّه يمثل عددا من المسلمين ذوي التوجه الاسلامي في الداخل الفلسطيني ولا بد من أخذ هذا بعين الاعتبار.



المدينة: كيف تغيرت انتماءات الشباب منذ الحظر؟ وكيف ترى مستقبلها؟

خطيب: أعتقد أنّ الشباب في الداخل الفلسطيني هم طاقة كامنة لم يتم توظيفها كما يجب. فتوظيف الشباب وطاقاتهم من خلال عمل منهجي وعمل جمعي هو أمر مهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذا العمل يجب أن يكون في ثلاثة مجالات أساسية. أولًا في التعبير عن هم شعبنا في الداخل وتحقيق تطلعاته وتحقيق آماله، ثانيا من خلال مواكبة الوسائل المتجددة في العمل السياسي وخاصة مع الإعلام والتواصل الذي باتت الأحزاب السياسية بعيدة عنه بعض الشيء، فيما يتقدم الشباب هذا المضمار. الأمر الثالث هو حالة تراخي الأحزاب السياسية والحراكات السياسية في الداخل الفلسطيني وحالة ما أسميه الشيخوخة التي تعانيها هذه الأحزاب والحركات السياسية، وبالتالي تكمن الحاجة إلى أن يكون هناك دم جديد يعبر عنه هذا الشباب من خلال جرأته ومن خلال انتمائه واهتماماته ووعيه، وأن تترجم هذه الجرأة من خلال عمل منهجي يقوم على سد حاجات مجتمعنا والسير به قدمًا نحو مطالبه وقضاياه الدينية والعامة.