قال محلل إسرائيلي إن “الهروب الذي لا يصدق لستة أسرى أمنيين من سجن جلبوع فجر امس (الاثنين) جرى تلقيه بمشاعر مختلطة من الفخر والاعتزاز الفلسطيني، الحرج الإسرائيلي، ابتهاج غريب بعض الشيء في شبكات التواصل الاجتماعي وتذكر فيلم “أسوار الأمل” كثيرا (الخلاص من شاوشانك)”.

جاء ذلك في مقال تحليلي للصحافي عاموس هارئيل، المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” نشره بعد عملية الهروب امس الاثنين، معتبرا أن “عملية الهروب تكشف عن ثغرات تقشعر لها الأبدان في سلطة السجون الإسرائيلية إلى جانب ما تحمله من مخاطر أمنية”.

وقال إن الأسرى الستة تحولوا طبعا إلى أبطال في الضفة وغزة ويتوقع أن يبث نجاحهم روحا جديدة في عجلات فصائل المقاومة في الضفة وقطاع غزة، وأضاف “وإذا انتهت ملاحقتهم بالتصادم مع قوات الأمن، سيجر موتهم موجة من العمليات الموجهة ضد إسرائيل”.

وذكر أن “الهروب من السجن يصور لدى الجمهور الفلسطيني على أنه عملية الاذلال الثانية لإسرائيل بعد نشر صور الحادثة التي قتل فيها القناص برئيل حداريا شموئيلي، حين استهدف من مسافة صفر على يد عنصر من حماس على الحدود مع غزة. هذه القضية (الهروب) سترفع من أسهم حركة الجهاد الإسلامي، التي ينتمي إليها معظم الهاربين رفقة شخصية رمزية هو زكريا زبيدي من قيادات “التنظيم” في مخيم جنين فترة الانتفاضة الثانية، والذي نجح بالبقاء على قيد الحياة بعد سلسلة من الملاحقات والمواجهات مع قوات الأمن الإسرائيلية على مدار سنوات”.

واستهجن هارئيل وضع ستة أسرى من نفس المنطقة (محافظة جنين) في زنزانة واحدة وبعد مكان سجنهم عن مناطق سكناهم عدة كيلومترات في منطقة يعاني فيها الجدار العازل من ثغرات كبيرة.

وأشار إلى أن اتجاه التحقيق الأساسي يشير إلى إمكانية أن يكون الهاربون قد شقوا طريقهم إلى شمال الضفة الغربية منوها “ولكن حتى اللحظة لا يوجد معلومات مؤكدة حول هذا الأمر”، وقال “هناك إمكانية أن يكونوا قد قطعوا الحدود باتجاه الأردن، لذلك جرى تعزيز حماية المنطقة الحدودية والتي تكون في الأيام العادية ضعيفة، هذا إلى جانب تشديد التنسيق مع الجانب الأردني”.

في خضم التطور الأخير وهروب السجناء، يلفت هارئيل إلى أن منطقة شمال الضفة تشهد في الفترة الأخيرة غليانا خاصة في مخيم جنين الذي سكنه زكريا زبيدي حتى اعتقاله الأخير. وأوضح “المقاتلون في مخيم جنين يسيطرون على الأوضاع في الفترة الأخيرة ويقيدون حركة قوات الأمن الفلسطينية، ويستقبلون القوات الأمنية الإسرائيلية التي تقتحم المخيم بالرصاص”.

ويرى أن السلطة الفلسطينية تريد إبعاد نفسها حاليا عن المشهد الملتهب. وفي حال تمكنت السلطات الإسرائيلية من وضع يدها على مكان الهاربين عليها أن تحاول القبض عليهم بقواها الذاتية.

وتوقع محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” أن “تشهد الأيام المقبلة توترا أمنيا كبيرا حول جهود القبض على السجناء الهاربين، وفي حال وقع شيء وأراد الهاربون تنفيذ عملية خطف رهائن أو تنفيذ عملية أخرى، يمكن أن ينشأ وضع صعب للغاية يشكل كابوسا للحكومة وقوات الأمن. من المفهوم ضمنا أن هذه الحادثة تشكل الآن الأزمة الأمنية الأولى لحكومة بينت لابيد، سواء لأنها تشكل مادة مثيرة للجمهور والإعلام في إسرائيل أو خوفا من تحولها إلى مادة للتقليد لدى الطرف الفلسطيني”.

وأضاف: “كما هو متوقع فإن المعارضة تستغل الحادثة للتدليل على ضعف الحكومة وقلة حيلتها باعتبارها فقدت قدرتها على الردع أمام الفصائل الفلسطينية. يقال إن حوادث مثل هذه لم تكن لتقع أيام بنيامين نتنياهو. لا شك أن المسؤولية ملقاة على عاتق وزير الأمن الداخلي، عومر بار ليف ورئيس الحكومة نفتالي بنيت، ولكن يجب عدم النسيان الهدم الممنهج الذي قامت به حكومات الليكود الأخيرة في سلطة السجون وبصورة كبيرة أيضا في نخبة الشرطة. سلطة السجون كانت دائما الحلقة الأضعف والمضطهدة على طاولة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وطريقة التعيينات التي قام بها الليكود في سلطة السجون لم تساهم في تقويتها ولا في تطوير إدارتها”.

وقال إن لجنة التحقيق التي ستقام في أعقاب عملية الهروب ستركز عملها في سلسلة الأخطاء المباشرة والثغرات التي مكّنت السجناء من الهرب.

وتابع بالقول “بار ليف (وزير الأمن الداخلي) ومفوضة سلطة السجون تحدثوا صباح امس ، عن أن غرفة السجن أقيمت فوق أعمدة وأساسات وفضاء مفتوح، ما وقف حائلا بين الأسرى ومسار الهرب هي فقط صفيحة معدنية ملحومة تحت مقعد المرحاض، ولكن يتضح أن هذا جزء من القصة. بحسب مسؤولين كبار في سلطة السجون بعد هذا الفضاء تحت غرفة السجن يوجد نحو 20 مترا من التراب الذي يجب الحفر من خلاله وشق الطريق من تحت أسوار السجن، وبالتالي يمكن أن تكون جرت حفريات لمدة أشهر بطريقة سرية، دون معرفة أي شيء من قبل الاستخبارات في السجن وأجهزة الأمن”.

وأردف “يثار كذلك السؤول حول تلقي الهاربين لمساعدة من خارج السجن نظرا لهروبهم السريع من المنطقة ما قد يشير إلى احتمال أن يكون أحد أقلّهم بسيارة كانت تنتظرهم في الخارج. هذا فضلا عن وجود أسرى أكثر من اللازم في المنطقة بالقرب من فتحة الخروج للنفق. هل نجح الهاربون بالتواصل مع متعاونين من خارج السجن؟!، يوجد لسلطة السجون خلفية مثيرة للجدل لصفقات مع الأسرى الأمنيين بهدف ضمان سكوتهم وعدم إثارتهم للقلاقل مقابل إزالة أجهزة التشويش التي تمنع الإرسال من داخل السجن”.

وكشف هارئيل أن “زبيدي وعدد من كبار السجناء مكثوا قبل عدة أشهر في قسم خاص في سجن شطه، والذي تتوفر فيه وسائل تشويش قوية تمنع الاتصال من هواتف محمولة داخل السجن، ولكن ما يثير الاستهجان والغرابة أن هؤلاء السجناء (من كانوا في شطه) جرى توزيعهم على عدة سجون في حين نقل زبيدي إلى سجن جلبوع. ووفق ما هو معلوم فقد تركت جانبا عادة نقل السجناء كل عدة أشهر من سجن إلى آخر أو من قسم إلى آخر داخل السجن وكان الهدف من ذلك تعطيل القدرة على التخطيط للهروب، كذلك هناك تخوف أنه في سجن جلبوع على الأقل لم يكن هناك استخدام مشدد كفاية للتشويش على الهواتف النقالة”.

ودعا الصحافي عاموس هارئيل السلطات الإسرائيلية إلى حل أزمة هروب الأسرى بسرعة نظرا لتداعياتها الخطيرة على المؤسسة الإسرائيلية وتشجيعها لقوى المقاومة الفلسطينية على تبني هذا النموذج وتقليده وتطويره إلى جانب الخشية من تنفيذ الأسرى لعمليات عسكرية، مذكّرا بما حدث عام 1987 عندما هرب 6 أسرى من سجن غزة- وكان القطاع تحت الاحتلال- حيث نفّذ الهاربون عدة عمليات موجعة للجانب الإسرائيلي، قبل قتلهم، بسبب قدرتهم على الاختفاء لعدة أشهر، وقال إن “عملية الهروب عام 1987 كانت شرارة البداية لانطلاقة الانتفاضة الأولى، بسبب المعنويات التي بثّها الهاربون حينها في الأوساط الفلسطينية ونماذج تقليدهم من قبل الفلسطينيين”.